فصل: الآيات (‏159 - 162‏)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 2‏)‏‏:‏ - الآية ‏(‏156 - 157‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي ‏{‏ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم‏}‏ يقول‏:‏ يضع عنهم عهودهم ومواثيقهم التي أخذت عليهم في التوراة والإنجيل‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن صعيد بن جبير في قوله ‏{‏ويضع عنهم إصرهم‏}‏ قال‏:‏ التشديد في العبادة، كان أحدهم يذنب الذنب فيكتب على باب داره‏:‏ إن توبتك أن تخرج أنت وأهلك ومالك إلى العدو فلا ترجع حتى يأتي الموت على آخركم‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ‏{‏ويضع عنهم إصرهم‏}‏ قال‏:‏ ما غلظ على بني إسرائيل من قرض البول من جلودهم إذا أصابهم ونحوه‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شودب في قوله ‏{‏والأغلال التي كانت عليهم‏}‏ قال‏:‏ الشدائد التي كانت عليهم‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ‏{‏ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم‏}‏ قال‏:‏ تشديد شدد على القوم، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بالتجاوز عنهم‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير ‏{‏ويضع عنهم إصرهم‏}‏ قال‏:‏ ما غلظوا على أنفسهم من قطع أثر البول، وتتبع العروق في اللحم وشبهه‏.‏

وأخرج ابن جرير عن مجاهد ‏{‏ويضع عنهم إصرهم‏}‏ قال‏:‏ عهدهم‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏{‏عزروه‏}‏ يعني عظموه ووقروه‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ‏{‏وعزروه ونصروه‏}‏ قال‏:‏ بالسيف‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ‏{‏وعزروه‏}‏ يقول‏:‏ نصروه‏.‏ قال‏:‏ فأما نصره وتعزيره قد سبقتم به، ولكن خيركم من آمن واتبع النور الذي أنزل معه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ‏{‏وعزروه‏}‏ قال‏:‏ شدوا أمره وأعانوا رسوله ونصروه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ ‏(‏وعزروه‏)‏ مثقله‏.‏

-  الآية ‏(‏158‏)‏‏.‏

- أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال‏:‏ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الأحمر والأسود فقال ‏{‏يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا‏}‏‏.‏

وأخرج البخاري وابن مردويه عن أبي الدرداء قال‏:‏ كانت بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عمر عنه مغضبا، فأتبعه أبو بكر فسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص الخبر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏هل أنتم تاركو لي صاحبي، إني قلت ‏{‏يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا‏}‏ فقلتم‏:‏ كذبت‏.‏ وقال أبو بكر‏:‏ صدقت‏"‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ‏{‏يؤمن بالله وكلمته‏}‏ قال‏:‏ عيسى‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ ‏(‏يؤمن بالله وكلماته‏)‏ على الجماع‏.‏

-  الآية ‏(‏159 - 162‏)‏‏.‏

وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال‏:‏ قال موسى‏:‏ يا رب، أجد أمة إنجيلهم في قلوبهم‏؟‏ قال‏:‏ تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد‏.‏ قال‏:‏ يا رب، أجد أمة يصلون الخمس تكون كفارة لما بينهن‏؟‏ قال‏:‏ تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد‏.‏ قال‏:‏ يا رب، أجد أمة يعطون صدقات أموالهم ثم ترجع فيهم فيأكلون‏؟‏ قال‏:‏ تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد‏.‏ قال‏:‏ يا رب، اجعلني من أمة أحمد‏.‏ فأنزل الله كهيئة المرضية لموسى ‏{‏ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي ليلى الكندي قال‏:‏ قرأ عبد الله بن مسعود ‏{‏ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏}‏ فقال رجل‏:‏ ما أحب أني منهم‏.‏ فقال عبد الله‏:‏ لم ما يزيد صالحوكم على أن يكونوا مثلهم‏؟‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ‏{‏ومن قوم موسى أمة‏}‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا إثني عشر سبطا، تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم، ففتح الله لهم نفقا في الأرض فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين، فهم هنالك حنفاء مستقلين يستقبلون قبلتنا‏.‏ قال ابن جريج‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ فذلك قوله ‏{‏وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا‏}‏ ‏(‏الإسراء الآية 104‏)‏ ووعد الآخرة عيسى بن مريم‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ ساروا في السرب سنة ونصفا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال‏:‏ افترقت بنو إسرائيل بعد موسى إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة، وافترقت النصارى بعد عيسى على إثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة، فأما اليهود فإن الله يقول ‏{‏ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏}‏ وأما النصارى فإن الله يقول ‏{‏منهم أمة مقتصدة‏}‏ ‏(‏المائدة الآية 66‏)‏ فهذه التي تنجو، وأما نحن فيقول ‏{‏وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏}‏ ‏(‏الأعراف الآية 181‏)‏ فهذه التي تنجو من هذه الأمة‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل قال‏:‏ إن مما فضل الله به محمدا صلى الله عليه وسلم أنه عاين ليلة المعراج قوم موسى الذين من وراء الصين، وذلك، أن بني إسرائيل حين عملوا بالمعاصي وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، دعوا ربهم وهم بالأرض المقدسة فقالوا‏:‏ اللهم أخرجنا من بين أظهرهم، فاستجاب لهم فجعل لهم سربا في الأرض فدخلوا فيه، وجعل معهم نهرا يجري وجعل لهم مصباحا من نور بين أيديهم، فساروا فيه سنة ونصفا وذلك من بيت المقدس إلى مجلسهم الذي هم فيه، فأخرجهم الله إلى أرض تجتمع فيها الهوام والبهائم والسباع مختلطين بها، ليس فيها ذنوب ولا معاص، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ومعه جبريل، فآمنوا به وصدقوه وعلمهم الصلاة وقالوا‏:‏ إن موسى قد بشرهم به‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ‏{‏ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏}‏ قال‏:‏ بينكم وبينهم نهر من سهل، يعني من رمل يجري‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن صفوان بن عمرو قال‏:‏ هم الذين قال الله ‏{‏ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق‏}‏ يعني سبطان من أسباط بني إسرائيل يوم الملحمة العظمى ينصرون الإسلام وأهله‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال‏:‏ إن لله عبادا من وراء الأندلس كما بيننا وبين الأندلس لا يرون أن الله عصاه مخلوق، رضراضهم الدر والياقوت وجبالهم الذهب والفضة، لا يزرعون ولا يحصدون ولا يعملون عملا، لهم شجر على أبوابهم لها أوراق عراض هي لبوسهم، ولهم شجر على أبوابهم لها ثمر، فمنها يأكلون‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فانبجست منه اثنتا عشرة عينا‏}‏‏.‏

أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ‏{‏فانبجست‏}‏ قال‏:‏ فانفجرت‏.‏

وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له‏:‏ أخبرني عن قوله عز وجل ‏{‏فانبجست منه اثنتا عشرة عينا‏}‏ قال‏:‏ أجرى الله من الصخرة اثنتي عشرة عينا، لكل عين يشربون منها‏.‏ قال‏:‏ وهل تعرف العرب ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، أما سمعت بشر بن أبي حازم يقول‏:‏

فأسلبت العينان مني بواكف * كما انهل من واهي الكلى المتبجس

-  الآية ‏(‏163 - 166‏)‏‏.‏

- أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال‏:‏ دخلت على ابن عباس وهو يقرأ هذه الآية ‏{‏واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر‏}‏ قال‏:‏ يا عكرمة، هل تدري أي قرية هذه‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ هي أيلة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب ‏{‏واسألهم عن القرية‏}‏ هي طبرية‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد ‏{‏واسألهم عن القرية‏}‏ قال‏:‏ هي قرية يقال لها مقنا بين مدين وعينونا‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير ‏{‏واسألهم عن القرية‏}‏ هي مدين‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ‏{‏إذ يعدون في السبت‏}‏ قال‏:‏ يظلمون‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ‏{‏شرعا‏}‏ يقول‏:‏ من كل مكان‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ‏{‏شرعا‏}‏ قال‏:‏ ظاهرة على الماء‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ‏{‏شرعا‏}‏ قال‏:‏ واردة‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏{‏واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر‏}‏ قال‏:‏ هي قرية على شاطئ البحر بين مصر والمدينة يقال لها أيلة، فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم، فكانت تأتيهم يوم سبتهم شرعا في ساحل البحر، فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها، فمكثوا كذلك ما شاء الله، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم، فنهتهم طائفة فلم يزدادوا إلا غيا‏.‏

فقالت طائفة من النهاة‏:‏ تعلمون أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب ‏{‏لم تعظون قوما الله مهلكهم‏}‏ وكانوا أشد غضبا من الطائفة الأخرى، وكل قد كانوا ينهون، فلما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان قالتا‏:‏ لم تعظون‏؟‏ والذين ‏{‏قالوا‏:‏ معذرة إلى ربكم‏}‏ وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ‏{‏واسألهم عن القرية‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم يوم الجمعة، فخالفوا إلى يوم السبت فعظموه وتركوا ما أمروا به، فلما ابتدعوا السبت ابتلوا فيه، فحرمت عليهم الحيتان، وهي قرية يقال لها مدين أيلة والطور، فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر حتى مثله من السبت المقبل، فإذا جاء السبت عادت شرعا، ثم إن رجلا منهم أخذ حوتا فحزمه بخيط ثم ضرب له وتدا في الساحل وربطه وتركه في الماء، فلما كان الغد جاء فأخذه فأكله سرا، ففعلوا ذلك وهم ينظرون ولا يتناهون إلا بقية منهم، فنهوهم حتى إذا ظهر ذلك في الأسواق علانية قالت طائفة للذين ينهونهم ‏{‏لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا‏}‏ قالوا ‏{‏معذرة إلى ربكم‏}‏ في سخطنا أعمالهم ‏{‏ولعلهم يتقون‏}‏ فكانوا أثلاثا‏.‏ ثلثا نهى، وثلثا قالوا ‏{‏لم تعظون‏}‏ وثلثا أصحاب الخطيئة، فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم، فأصبح الذين نهوا ذات غداة في مجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم، وقد باتوا من ليلتهم وغلقوا عليهم دورهم، فجعلوا يقولون‏:‏ إن للناس شأنا فانظروا ما شأنهم، فاطلعوا في دورهم فإذا القوم قد مسخوا يعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد، والمرأة بعينها وإنها لقردة‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عكرمة قال‏:‏ جئت ابن عباس يوما وهو يبكي، وإذا المصحف في حجره فقلت‏:‏ ما يبكيك يا ابن عباس‏؟‏ فقال‏:‏ هؤلاء الورقات‏.‏ وإذا في سورة الأعراف قال‏:‏ تعرف أيلة‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فإنه كان بها حي من يهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت، ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا عليها بعد كد ومؤنة شديدة، وكانت تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا كأنها الماخض، فكانوا كذلك برهة من الدهر ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال‏:‏ إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيام‏.‏ فقالت‏:‏ ذلك طائفة منهم، وقالت طائفة‏:‏ بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها في يوم السبت، فعدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها، واعتزلت طائفة ذات اليمين، وتنحت واعتزلت طائفة ذات اليسار، وسكتت وقال الأيمنون‏:‏ ويلكم‏.‏‏.‏‏.‏‏؟‏ لا تتعرضوا لعقوبة الله، وقال الأيسرون ‏{‏لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا‏}‏ قال الأيمنون‏:‏ ‏{‏معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون‏}‏ إن ينتهوا فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا، وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم‏.‏ فمضوا على الخطيئة وقال الأيمنون‏:‏ قد فعلتم يا أعداء الله، والله لنبايننكم الليلة في مدينتكم، والله ما أراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب، فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا فلم يجابوا، فوضعوا سلما وعلوا سور المدينة رجلا، فالتفت إليهم فقال‏:‏ أي عباد الله قردة - والله - تعاوى لها أذناب‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ ففتحوا فدخلوا عليهم فعرفت القردة أنسابها من الإنس ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة، فجعلت القرود تأتي نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي، فيقول‏:‏ ألم ننهكم‏؟‏ فتقول برأسها‏:‏ أي نعم‏.‏ ثم قرأ ابن عباس ‏{‏فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس‏}‏ قال‏:‏ أليم وجيع‏.‏ قال‏:‏ فأرى الذين نهوا قد نجوا ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها‏.‏ قلت‏:‏ أي جعلني الله فداك، ألا ترى أنهم كرهوا ما هم عليه وخالفوهم، وقالوا ‏{‏لم تعظون قوما الله مهلكهم‏}‏ قال‏:‏ فأمر بي فكسيت ثوبين غليظين‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال‏:‏ كانت قرية على ساحل البحر يقال لها أيلة، وكان على ساحل البحر صنمان من حجارة مستقبلان الماء، يقال لأحدهما لقيم والآخر لقمانة، فأوحى الله إلى السمك‏:‏ أن حج يوم السبت إلى الصنمين، وأوحى إلى أهل القرية‏:‏ إني قد أمرت السمك أن يحجوا إلى الصنمين يوم السبت فلا تعرضوا للسمك يوم لا يمتنع منكم، فإذا ذهب السبت فشأنكم به فصيدوه، فكان إذا طلع الفجر يوم السبت أقبل السمك شرعا إلى الصنمين لا يمتنع من آخذ يأخذه، فظهر يوم السبت شيء من السمك في القرية فقالوا‏:‏ نأخذه يوم السبت فنأكله يوم الأحد، فلما كان يوم السبت الآخر ظهر أكثر من ذلك، فلما كان السبت الآخر ظهر السمك في القرية، فقام إليهم قوم منهم فوعظوهم فقالوا‏:‏ اتقوا الله‏.‏ فقام آخرون فقالوا ‏{‏لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون‏}‏ فلما كان سبت من تلك الأسبات فشى السمك في القرية، فقام الذين نهوا عن السوء فقالوا‏:‏ لا نبيت معكم الليلة في هذه القرية‏.‏ فقيل لهم‏:‏ لو أصبحتم فانقلبتم بذراريكم ونسائكم‏.‏ قالوا‏:‏ لا نبيت معكم الليلة في هذه القرية، فإن أصبحنا غدونا فأخرجنا ذرارينا وأمتعتنا من بين ظهرانيكم وكان القوم شاتين، فلما أمسوا أغلقوا أبوابهم فلما أصبحوا لم يسمع القوم لهم صوتا ولم يروا سرجا خرج من القرية‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ قالوا‏:‏ قد أصاب أهل القرية شر‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ فبعثوا رجلا منهم ينظر إليهم، فلما أتى القرية إذا الأبواب مغلقة عليهم، فاطلع في دار فإذا هم قرود كلهم، المرأة أنثى والرجل ذكر، ثم اطلع في دار أخرى فإذا هم كذلك الصغير صغير والكبير كبير، ورجع إلى القوم فقال‏:‏ يا قوم نزل بأهل القرية ما كنتم تحذرون، أصبحوا قردة كلهم لا يستطيعون أن يفتحوا الأبواب، فدخلوا عليهم فإذا هم قردة كلهم، فجعل الرجل يومئ إلى القرد منهم أنت فلان، فيومئ برأسه‏:‏ نعم‏.‏ وهم يبكون فقالوا‏:‏ أبعدكم الله قد حذرناكم هذا، ففتحوا لهم الأبواب فخرجوا فلحقوا بالبرية‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال‏:‏ نجا الناهون وهلك الفاعلون، ولا أدري ما صنع بالساكتين‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن ابن عباس قال‏:‏ والله لئن أكون علمت أن القوم الذين قالوا ‏{‏لم تعظون قوما‏}‏ نجوا مع الذين نهوا عن السوء أحب إلى ما عدل به‏.‏ وفي لفظ‏:‏ من حمر النعم‏.‏ ولكني أخاف أن تكون العقوبة نزلت بهم جميعا‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ ما أدري أنجا الذين قالوا لم تعظون قوما أم لا‏؟‏ قال‏:‏ فما زلت أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا فكساني حلة‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن ليث بن أبي سليم قال‏:‏ مسخوا حجارة الذين قالوا ‏{‏لم تعظون قوما الله مهلكهم‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله ‏{‏واسألهم عن القرية‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ كان حوتا حرمه الله عليهم في يوم وأحله لهم فيما سوى ذلك، فكان يأتيهم في اليوم الذي حرمه الله عليهم كأنه المخاض ما يمتنع من أحد، فجعلوا يهمون ويمسكون وقلما رأيت أحدا أكثر الإهتمام بالذنب إلا واقعه، فجعلوا يهمون ويمسكون حتى أخذوه فأكلو بها - والله - أوخم أكلة أكلها قوم قط أبقاه خزيا في الدنيا وأشده عقوبة في الآخرة، وأيم الله للمؤمن أعظم حرمة عند الله من حوت، ولكن الله عز وجل جعل موعد قوم الساعة والساعة أدهى وأمر‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال‏:‏ أخذ موسى عليه السلام رجلا يحمل حطبا يوم السبت، وكان موسى يسبت فصلبه‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال‏:‏ احتطب رجل في السبت، وكان داود عليه السلام يسبت فصلبه‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن أبي بكر بن عياش قال‏:‏ كان حفظي عن عاصم ‏(‏بعذاب بئيس‏)‏ على معنى فعيل، ثم دخلني منها شك فتركت روايتها عن عاصم وأخذتها عن الأعمش ‏(‏بعذاب بئيس‏)‏ على معنى فعيل‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ‏{‏بعذاب بئيس‏}‏ قال‏:‏ لا رحمة فيه‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ‏{‏بعذاب بئيس‏}‏ قال‏:‏ وجيع‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ‏{‏بعذاب بئيس‏}‏ قال‏:‏ أليم بشدة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال‏:‏ نودي الذين اعتدوا في السبت ثلاثة أصوات، نودوا يا أهل القرية فانتبهت طائفة، ثم نودوا يا أهل القرية فانتبهت طائفة أكثر من الأولى، ثم نودوا يا أهل القرية فانتبه الرجال والنساء والصبيان، فقال الله لهم ‏{‏كونوا قردة خاسئين‏}‏ ‏(‏البقرة آية 65‏)‏ فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون‏:‏ يا فلان ألم ننهكم‏؟‏ فيقولون برؤوسهم‏:‏ أي بلى‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير وماهان الحنفي قال‏:‏ لما مسخوا جعل الرجل يشبه الرجل وهو قرد، فيقال‏:‏ أنت فلان‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ فيومئ إلى يديه بما كسبت يداي‏.‏

وأخرج ابن بطة عن أبي هريرة رضي الله عنه ‏"‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل‏"‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن سفيان قال‏:‏ قالوا لعبد الله بن عبد العزيز العمري في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏:‏ تأمر من لا يقبل منك‏؟‏ قال‏:‏ يكون معذرة، وقرأ ‏{‏قالوا معذرة إلى ربكم‏}‏‏.‏